سورة القصص - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ} قال سعيد بن جبير: سألني رجل من النصارى أي الأجلين قضى موسى فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله- يعني ابن عباس- فقدمت عليه فسألته، فقال: قضى أكملهما وأوفاهما فأعلمت النصراني فقال: صدق والله هذا العالم. وروي عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل في ذلك جبريل فأخبره أنه قضى عشر سنين.
وحكى الطبري عن مجاهد أنه قضى عشرا وعشرا بعدها، قال ابن عطية: وهذا ضعيف.
الثانية: قوله تعالى: {وَسارَ بِأَهْلِهِ} قيل فيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء، لما له عليها من فضل القوامية وزيادة الدرجة إلا أن يلتزم لها أمرا فالمؤمنون عند شروطهم، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج.
الثالثة: قوله تعالى: {آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً} الآية. تقدم القول في ذلك في طه. والجذوة بكسر الجيم قراءة العامة، وضمها حمزة ويحيي، وفتحها عاصم والسلمى وزر بن حبيش. قال الجوهري: الجذوة والجذوة والجذوة الجمرة الملتهبة والجمع جذا وجذا وجذا قال مجاهد في قوله تعالى: {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} أي قطعة من الجمر، قال: وهي بلغة جميع العرب.
وقال أبو عبيدة: والجذوة مثل الجذمة وهي القطعة الغليظة من الخشب كان في طرفها نار أو لم يكن. قال ابن مقبل:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها *** جزل الجذا غير خوار ولا دعر
وقال:
وألقى على قيس من النار جذوة *** شديدا عليها حميها ولهيبها


{فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (30)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتاها} يعني الشجرة قدم ضميرها عليها. {نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ} {مِنْ} الأولى والثانية لابتداء الغاية، أي أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة. و{مِنَ الشَّجَرَةِ} بدل من قوله: {مِنْ شاطِئِ الْوادِ} بدل الاشتمال، لان الشجرة كانت نابتة على الشاطئ، وشاطئ الوادي وشطه جانبه، والجمع شطآن وشواطئ، ذكره القشيري، وقال الجوهري: ويقال شاطئ الأودية ولا يجمع. وشاطأت الرجل إذا مشيت على شاطئ ومشى هو على شاطئ آخر. {الْأَيْمَنِ} أي عن يمين موسى.
وقيل: عن يمين الجبل. {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ} وقرأ الأشهب العقيلي {فِي الْبُقْعَةِ} بفتح الباء. وقولهم بقاع يدل على بقعة، كما يقال جفنة وجفان. ومن قال بقعة قال بقع مثل غرفة وغرف. {مِنَ الشَّجَرَةِ} أي من ناحية الشجرة. قيل كانت شجرة العليق. وقيل سمرة وقيل عوسج. ومنها كانت عصاه، ذكره الزمخشري وقيل: عناب، والعوسج إذا عظم يقال له الغرقد.
وفي الحديث: إنه من شجر اليهود فإذا نزل عيسى وقتل اليهود الذين مع الدجال فلا يختفي أحد منهم خلف شجرة إلا نطقت وقالت يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فأقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود فلا ينطق. خرجه مسلم. قال المهدوي: وكلم الله تعالى موسى عليه السلام من فوق عرشه وأسمعه كلامه من الشجرة على ما شاء. ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بالانتقال والزوال وشبه ذلك من صفات المخلوقين. قال أبو المعالي: واهل المعاني واهل الحق يقولون من كلمه الله تعالى وخصه بالرتبة العليا والغاية القصوى، فيدرك كلامه القديم المتقدس عن مشابهة الحروف والأصوات والعبارات والنغمات وضروب اللغات، كما أن من خصه الله بمنازل الكرامات وأكمل عليه نعمته، ورزقه رؤيته يرى الله سبحانه منزها عن مماثلة الأجسام وأحكام الحوادث، ولا مثل له سبحانه في ذاته وصفاته، وأجمعت الامة على أن الرب تعالى خصص موسى عليه السلام وغيره من المصطفين من الملائكة بكلامه. قال الأستاذ أبو إسحاق: اتفق أهل الحق على أن الله تعالى خلق في موسى عليه السلام معنى من المعاني أدرك به كلامه كان اختصاصه في سماعه، وأنه قادر على مثله في جميع خلقه. واختلفوا في نبينا عليه السلام هل سمع ليلة الاسراء كلام الله، وهل سمع جبريل كلامه على قولين، وطريق أحدهما النقل المقطوع به وذلك مفقود، واتفقوا على أن سماع الخلق له عند قراءة القرآن على معنى أنهم سمعوا العبارة التي عرفوا بها معناه دون سماعه له في عينه.
وقال عبد الله. ابن سعد بن كلاب: إن موسى عليه السلام فهم كلام الله القديم من أصوات مخلوقة أثبتها الله تعالى في بعض الأجسام. قال أبو المعالي: وهذا مردود، بل يجب اختصاص موسى عليه السلام بإدراك كلام الله تعالى خرقا للعادة، ولو لم يقل ذلك لم يكن لموسى عليه السلام اختصاص بتكليم الله إياه. والرب تعالى أسمعه كلامه العزيز، وخلق له علما ضروريا، حتى علم أن ما سمعه كلام الله، وأن الذي كلمه وناداه هو الله رب العالمين. وقد ورد في الأقاصيص أن موسى عليه السلام قال: سمعت كلام ربي بجميع جوارحي، ولم أسمعه من جهة واحدة من جهاتي وقد مضى هذا المعنى في البقرة مستوفى. {أَنْ يا مُوسى} {أَنْ} في موضع نصب بحذف حرف الجر أي ب {أَنْ يا مُوسى}. {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} نفي لربوبية غيره سبحانه. وصار بهذا الكلام من أصفياء الله عز وجل لا من رسله، لأنه لا يصير رسولا إلا بعد أمره بالرسالة، والامر بها إنما كان بعد هذا الكلام.


{وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)}
قوله تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ} عطف على {أَنْ يا مُوسى} وتقدم الكلام في هذا في النمل وطه. و{مُدْبِراً} نصب على الحال وكذلك موضع قوله: {وَلَمْ يُعَقِّبْ} نصب على الحال أيضا. {يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ} قال وهب: قيل له أرجع إلى حيث كنت. فرجع فلف دراعته على يده، فقال له الملك: أرأيت إن أراد الله أن يصيبك بما تحاذر أينفعك لفك يدك؟ قال: لا ولكني ضعيف خلقت من ضعف. وكشف يده فأدخلها في فم الحية فعادت عصا. {إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} أي مما تحاذر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8